أخبار

نص كلمة وزير الخارجية أمام مجلس النواب بشأن جهود الوزارة في برنامج الحكومة

بيان وزير الخارجية أمام مجلس النواب بشأن جهود الوزارة في تنفيذ برنامج الحكومة “مصر تنطلق” (2018-2022)

السيد المستشار الدكتور/ حنفي جبالي.. رئيس مجلس النواب

السادة النواب الموقرون

يطيبُ لي أن أكون بينكم اليوم في “بيت الشعب المصري”.. بين جنبات هذا البرلمان العريق الذي يُعد واحداً من أقدم المجالس النيابية في التاريخ، إذ كانت مصر في طليعة الدول التي شكلت مجلسا نيابيا منذ عام 1866.. وما تلاه من تطور للحياة النيابية المصرية بخبراتها المتراكمة وتجاربها الثرية، وصولاً إلى برلمانها الحالي بغرفتيه الممثلتين في مجلسيّ النواب والشيوخ، إنفاذاً للدستور المصري الذي أقره شعبُها في استفتاء مباشر وبشعبية ليست مسبوقة في تاريخ الاستفتاءات الدستورية المصرية.

كما أود أن أتوجه في مستهل حديثي إليكم.. نواب الشعب.. بخالص التهنئة على ثقة الشعب المصري التي منحكم إياها.. لتنوبوا عنه.. رقابةً وتشريعاً وتعبيراً عن آماله المشروعة وطموحاته المستحقة.. ولا يفوتني في هذا المقام أن أشيد بتمثيل فئتين من أهم فئات المجتمع في مجلس النواب المصري.. وهما المرأة والشباب.. اللذان يمثلان دعامتين أساسيتين من دعائم الدولة المصرية.. وأثبتا على مدار الأعوام الماضية أن مجتمعاً لا يولي اهتماماً لسيداته وشبابه لن ينضج أو ينهض.. ولن يتقدم أو ينتج.. فتحيةُ تقديرٍ وإعزاز لسيدات مصر وشبابها.. الذين ساهموا إسهاماً مُقدراً فيما حققته مصر من تقدم مشهود له منذ ثورة الثلاثين من يونيو المجيدة.

وأود أن أشير إلى أن مقتضيات العصر وتطور النظم السياسية ساهما في تعزيز التعاون بين مختلف سلطات الدولة دون مساس بمبدأ الفصل بين السلطات.. الذي لم يعد فصلاً جامداً.. وإنما ينطوي على تعاون بناء ليس فقط من خلال ما يمليه الدستور من تنظيم للعلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ولكن أيضاً من خلال امتداد جسور التعاون بين السلطتين؛ فمن المعروف أن الدبلوماسية البرلمانية أضحى لها دورها المقدر في التعاون بين الدول على المستوى الشعبي، وهو مجال تتطلع وزارة الخارجية إلى تعزيزه ودعمه والتنسيق فيه مع مجلسكم الموقر تحقيقاً للمصلحة الوطنية.

نواب الشعب الأفاضل

إن الدبلوماسية المصرية العريقة يمتد تاريخها وتتعدد صور التعبير عنها وذلك بِقِدَم الدولة المصرية ذاتها.. إلى أن استقرت وفق المفهوم القائم للعلاقات الدبلوماسية بين الدول.. وطالما كانت مؤسسة الخارجية المصرية.. وستظل.. مؤسسة وطنية تقوم بمهامها ولا تدخر جهداً من أجل المساهمة في رفعة وطننا والحفاظ على مكانته بين الأمم.. ومع التطور الذي يشهده عالم اليوم تضاعفت المخاطر وتصاعدت التحديات.. مما وضع على كاهل الدبلوماسية المصرية مسئولية مضاعفة وأعباء أكثر جسامة.. سعت معها وزارة الخارجية إلى تطوير أدائها وتنمية وصقل مهارات أبنائها لتتناسب مع متطلبات عالم اليوم.. تتعاطى مع تحدياته.. تبرع في استخدام أدواته.. وتتكامل مع عناصر قوة الدولة المصرية.. تحقيقاً للغايات الوطنية.. وإعلاءً لمصلحة مصر وشعبها.. وترسيخاً لمكانة مصر الدولية.

السيدات والسادة

إن الموقع الجيوستراتيجي الفريد لمصر.. أثرى حضارتها ونوّع ثقافتها.. وعدّد دوائر انتمائها.. فمصرُ العربية هي ذاتها مصر الإفريقية والمتوسطية.. بل إن بعض المتخصصين يُقدرون أن مصر بسينائها هي أيضاً آسيوية بل وحلقة وصل بين اثنتين من قارات العالم القديم.. آسيا وإفريقيا.. ولكن هذا التنوع والثراء يتطلب جهداً مضاعفاً لإضفاء التوازن المناسب على علاقاتها الخارجية التي تتسم بذات التعدد والثراء الذي يميز دوائر الانتماء المصرية.. وهو التوازن الذي تحرص وزارة الخارجية على تطبيقه عملاً وليس قولاً إنفاذاً لسياسة رشيدة صاغتها القيادة السياسية ومؤسسات الدولة مجتمعة وتدرك عن اقتناع أهمية هذا التوازن لتحقيق المصلحة العليا المصرية.. وهو الأمر الذي يتجلى في علاقات مصر الاستراتيجية مع مختلف القوى الدولية شرقاً وغرباً.. وشمالاً وجنوباً.. وذلك ليس من باب التناقض ولكن من درب التوافق.. وتحقيق المصلحة الوطنية العليا.

 

ولقد راعت مصر هذا التنوع الحضاري والثقافي الذي تنعم به.. فحينما عرف العالم ثنائية القطب.. كانت مصر من مؤسسي حركة عدم الانحياز.. وعندما تصدت مصر للهجرة غير الشرعية من إفريقيا إلى أوروبا لم تكتفِ بالبعد الأمني فقط وإنما حرصت أيضاَ على أبعاد أخرى إنسانية وتنموية واقتصادية.. وعند توصلها لاتفاق سلام مع إسرائيل لم تبتعد مطلقاً عن محيطها العربي بل ظلت القضية الفلسطينية أولى قضاياها العربية التي تتصدى لها على جميع المستويات الثنائية والعربية والدولية.. هكذا تأتي سياسة مصر الخارجية.. لا تنأى عن المبادئ.. ولا تجافي القيم.. بل تنبذ التآمر.. وتبتعد عن المكائد.. تنتهج سبيلاً معتدلاً.. تعلي من قيمة التعاون والتعايش.. تحقق توافق المصالح.. على ضوء ما تمليه حضارتها وتاريخها وعراقتها من منظومة أخلاقية وقيمية.

 

 

نواب الشعب..

من منطلق ما تقدم، تواصل وزارة الخارجية تنفيذ رؤية الدولة المصرية بكافة مكوناتها من خلال جهودها في الدفاع عن المصالح والثوابت المصرية انطلاقًا من سعي حثيث نحو تحقيق رؤية الدولة المصرية وأهدافها، وبما يضمن حماية وصون الأمن القومي المصري، ومواجهة كافة أشكال الإرهاب والعنف والتطرف، والسعي نحو تحقيق التنمية الشاملة المُستدامة، فضلاً عن استعادة استقرار المحيط العربي والإقليمي من خلال العمل على إيجاد حلول سلمية للنزاعات التي تشهدها المنطقة مع الحفاظ على مفهوم الدولة الوطنية واستقرار مؤسساتها، وذلك تحقيقًا للمصالح المصرية واتصالاً بمسئوليات مصر ودورها باعتبارها الدولة العربية المحورية. ولذا، كان لزامًا أن يكون التحرك الخارجي المصري هادفًا لحماية ما تحقق من إنجازات خلال السنوات الأخيرة وساعيًا نحو مزيد من المُكتسبات في ضوء مُحددات وأولويات عمل الحكومة، وما يتضمنه من أهداف استراتيجية رئيسية خاصةً تلك المُتعلقة بحماية الأمن القومي وسياسة مصر الخارجية، وهو ما انعكس بشكل جليّ على التحرك الخارجي المصري من أجل تنفيذ برنامج عمل الحكومة المصرية للأعوام 2018-2022، الذي طرحته بعنوان “مصر تنطلق” ليتناسب مع سِمات المرحلة الراهنة التي تشهد انطلاقاً حقيقياً للدولة المصرية.. وهي المرحلة التي تعبر عن روح ثورة الثلاثين من يونيو التي جعلت المواطن المصري في صدارة اهتمام الدولة التي باتت تسعى جاهدةً لبناء الإنسان المصري ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً.

السيدات والسادة النواب

إن خدمة المواطنين والعمل القنصلي يأتيان في مقدمة أولويات وزارة الخارجية المصرية بما يمثله ذلك من شِقٍ خدمي وتواصل مباشر مع مصالح المواطنين المصريين اليومية في الداخل والخارج عبر جهاز دبلوماسي وقنصلي يتناسب مع حجم ومكانة مصر الدولية، ومع ضخامة الجالية المصرية من المقيمين بالخارج والذين يقدر عددهم بنحو عشرة ملايين مواطن، وكذا من خلال مكاتب التصديقات التابعة للوزارة والمنتشرة في مختلف أنحاء الجمهورية، علماً بأنه في إطار توجه الوزارة نحو التيسير على المواطنين في مختلف أرجاء مصر، تم افتتاح مكتب للتصديقات والخدمات القنصلية بمحافظة المنيا في سبتمبر 2020.

وقد تعددت نجاحات الدولة المصرية خلال السنوات الماضية في الموضوعات القنصلية؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر كان من بين أبرز نجاحات الدولة المصرية خلال عام 2020 تعامُلها الفاعل مع أزمة المصريين العالقين بالخارج إثر جائحة كورونا، وقد بلغت أعداد المصريين العائدين من الخارج حوالي 30 ألف مواطن، موزعين في كافة أنحاء العالم.

وفي ذات الإطار، تواصل وزارة الخارجية والسفارات والقنصليات المصرية في الخارج جهودها؛ إذ بلغ إجمالي الخدمات القنصلية المقدمة من قبل بعثاتنا في الخارج خلال الفترة من يوليو 2018 إلى ديسمبر 2019، 2.7مليون معاملة قنصلية، في حين يبلغ عدد التصديقات التي تقوم بها مكاتب التصديقات التابعة لوزارة الخارجية قرابة مليونيّ تصديق سنويًا.

إضافةً إلى ما تقدم، وتكريساً للممارسة الديمقراطية والحق الدستوري للمواطنين المصريين في اختيار ممثليهم في البرلمان، نظمت وزارة الخارجية عن طريق السفارات والقنصليات بالخارج، وبالتنسيق الكامل مع الهيئة الوطنية للانتخابات، عملية تصويت المصريين بالخارج في انتخابات مجلس النواب لعام 2020 للمرحلتين الأولى والثانية ولجولتيّ الإعادة.

كما تقوم الوزارة عبر سفاراتها وقنصلياتها في الخارج بالتنسيق الوثيق مع السلطات المعنية بدول الاعتماد للتأكد من سلامة الصيادين المصريين الذين يتم توقيفهم في بعض الأحيان بأكثر من دولة؛ فضلاً عما تحققه الوزارة من متابعة للإفراج عن المواطنين المصريين المحتجزين بالخارج، وكان من أبرز تلك الوقائع الإفراج عن المواطنيْن المصرييْن المختطفين اللذين كانا على متن السفينة “ميلان” التي تعرضت لحادث قرصنة قبالة السواحل النيجيرية، وعودتهما سالمين إلى أرض الوطن.

وفي ختام حديثي عن الجهد القنصلي أود أن أؤكد أنه على الرغم من الظروف الاستثنائية التي فرضتها أزمة كورونا، فإن وزارة الخارجية، والسفارات والقنصليات في الخارج، سوف تستمر جميعها في العمل بذات الفاعلية وتلقي شكاوى المواطنين ومتابعة المشكلات القنصلية التي تواجه المواطنين بالخارج للتعامل معها وتقديم المساندة اللازمة لهم. وأؤكد هنا ترحيبنا الدائم بالرد على استفسارات السادة النواب في كل وقت، والعمل على دعم مساعيهم لصالح مواطني دوائرهم المختلفة، وموافاة مجلسكم الموقر بما يتخذ من إجراءات لصالح المواطنين في الخارج عبر القطاع البرلماني بالوزارة، الذي يضطلع بالتواصل مع نواب الشعب الأفاضل.

السيد المستشار رئيس المجلس

السيدات والسادة النواب

ليس من قبيل المبالغة أن أصف ملف مياه النيل بأنه الأهم على أجندة السياسة الخارجية المصرية وأن تأمين مصالح مصر المائية وصون حقوقها يأتي على رأس أولويات وزارة الخارجية وكافة مؤسسات الأمن القومي المصري التي تعمل بدأب وإخلاص من أجل حماية مقدرات الشعب المصري والذود عن المصدر الأوحد لحياة ملايين المصريين منذ فجر التاريخ، وذلك إعلاءً لما التزمت به الدولة المصرية في دستورها الذي أقرته الأمة بحماية نهر النيل والحفاظ على حقوق مصر التاريخية المتعلقة به.  

وتسعى مصر من خلال المفاوضات الممتدة حول سد النهضة التي شاركت فيها إلى التوصل لاتفاق عادل ومتوازن يحقق مصالح الدول الثلاث التي تتشارك في النيل الأزرق بما يتيح لشركائنا في إثيوبيا تحقيق أهدافهم التنموية، ويقي شعبيّ مصر والسودان المخاطر، ويحفظ حقوقهما التي أقرتها الاتفاقيات والأعراف الدولية.

ومن هنا، فقد قدمت وزارة الخارجية الدعم اللازم لوزارة الموارد المائية والري واشتركت بجانب أجهزة الدولة المصرية المعنية بهذا الملف في مختلف جولات المفاوضات التي جرت على مدار السنوات الأخيرة، ومن بينها تلك التي أفضت، في واشنطن، إلى صياغة مشروع اتفاق متكامل لقواعد ملء وتشغيل سد النهضة والذي وقعته مصر بالأحرف الأولى تأكيداً لجديتها ولتوافر الإرادة السياسية لديها لإبرام اتفاق يراعي مصالح وحقوق الدول الثلاث، إلا أن إثيوبيا تحفظت على هذا الاتفاق ورفضته وقاطعت مسار المفاوضات التي تمت في واشنطن، بل وشرعت في ملء خزان سد النهضة بشكل أحادي دون اتفاق حول قواعد الملء والتشغيل.

وهو ما حدا بالدبلوماسية المصرية – انطلاقا من حرصها على صون حقوق مصر ومصالحها المائية – إلى التحرك بفاعلية من أجل حشد الدعم الدولي للموقف المصري ولجذب انتباه المجتمع الدولي للمخاطر المرتبطة بقيام إثيوبيا باتخاذ إجراءات أحادية في تعاملها مع سد النهضة، وهو ما أسفر عن إحالة الملف إلى مجلس الأمن بالأمم المتحدة الذي عقد جلسة تاريخية يوم ٢٩ يونيو ٢٠٢٠ لمناقشة هذه القضية في سابقة هي الأولى من نوعها لقيام مجلس الأمن ببحث الآثار السياسية والأمنية لمشروع مائي مقام على نهر دولي، وذلك تقديراً لمكانة مصر ودورها واقتناعاً بعدالة الرؤية المصرية في ملف سد النهضة وإدراكاً لخطورته على الأمن والاستقرار في المنطقة بأسرها.    

وقد أوضحت مصر بجلاء خلال جلسة مجلس الأمن – وعلى مرأى ومسمع من المجتمع الدولي بأسره – أن مياه النيل تمثل قضية وجودية لمصر وشعبها، وأن مسألة سد النهضة ترتبط وتؤثر على مستقبل ومصير أكثر من 250 مليون مواطن في مصر والسودان واثيوبيا. كما أكدت مصر أنها – مع ايمانها بأن نهر النيل ليس حكرا على أحد – لن تفرط في حقوقها ولن تتهاون مع أي ضرر يطال مصالحها أو يمس مقدرات شعبها الذي يرتبط وجوده وحياته بنهر النيل وخيراته.

وقد شاركت مصر منذ جلسة مجلس الأمن في المفاوضات الجارية برعاية الاتحاد الإفريقي، إلا أن مشاركتنا في هذه المفاوضات وانخراطنا فيها لا يعني أننا نتفاوض من أجل التفاوض، فالتفاوض ما هو إلا وسيلة وأداة للوصول للاتفاق المنشود وليس هدفاً وغاية في حد ذاتها، فنحن لم ولن نقبل بأن ننجرف في مناورة لإطالة أمد المشكلات أو لترسيخ واقع على الأرض وفرضه على الآخرين، كما أننا لم ولن نقبل بأن يقع هذا النهر الذي تتعلق به مصائر الملايين رهينة لمساعي البعض لفرض سيطرته أو هيمنته عليه، وإنما سنستمر في سعينا للتوصل لاتفاق يحقق الخير والتنمية لشعوب وادي النيل جميعها ويضمن حياة كريمة ومستقبلاً آمناً لأجيالها القادمة.

وفي إطار حرصنا على إطلاع الدول العربية الشقيقة على تطورات المفاوضات ومستجداتها، نجحت وزارة الخارجية في استصدار قرارين من مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري أكدا على تضامن الدول العربية مع حقوق مصر المائية.

وبالتوازي مع العملية التفاوضية وتحركاتنا السياسية المكثفة، لم تغفل مؤسسات الدولة أهمية التواصل مع متخذي القرار وصانعي الرأي حول العالم، بمن في ذلك البرلمانيون والمشرعون ومراكز الفكر والباحثون والأكاديميون والخبراء والعلماء لخلق رأي عام دولي داعم ومؤيد لمصر في هذه القضية المحورية، حيث نظمت وزارة الخارجية عشرات الندوات الافتراضية في عدد من الدول المؤثرة، وفي مقريّ الأمم المتحدة في نيويورك وجنيف بمشاركة العديد من المسئولين الحكوميين والمشرعين والخبراء، فكان لهذه الندوات أثرٌ مُهم في توضيح عدالة الموقف المصري والترويج له في أوساط الخبراء والباحثين الدوليين.

السيدات والسادة النواب

رُغم ما شهده عام 2020 من تحديات صحية فرضتها جائحة كورونا على جميع دول العالم، إلا أن هذا العام عكَسَ قدرة السياسة الخارجية المصرية على مواجهة التحديات والظروف الاستثنائية لتستمر في الدفاع عن المصالح العليا للدولة المصرية؛ فقد شهد هذا العام تكثيفًا للتشاور والتنسيق مع الأشقاء العرب لمواجهة مختلف التحديات التي تشهدها المنطقة؛ وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي واصلت القاهرة مساعيها لدعمها ومساندة الشعب الفلسطيني الشقيق، من خلال جهود الدولة المصرية لتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، وكذا عبر استضافة مصر خلال الأسابيع الماضية اجتماعات “صيغة ميونيخ”، والاجتماع الوزاري الثلاثي مع وزيريّ الخارجية الأردني والفلسطيني.

وقد جاءت الزيارة التي قام بها السيد الرئيس إلى الأردن يوميّ 18 و19 يناير الجاري، والتي بحث خلالها مع العاهل الأردني سبل دفع جهود السلام قدماً، لتمثل إطار تحركات البلدين المنسقة في هذه القضية وغيرها. ولا تقف الجهود المصرية الرامية إلى ترميم الوضع العربي والحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية عند حدود القضية الفلسطينية، ولكنها تمتد إلى إرساء الاستقرار وتسوية الأزمات التي تمر بها عدة أقطار عربية، بما في ذلك سوريا لتحتفظ بمؤسساتها الوطنية ووحدتها وسلامتها الإقليمية وتصون استقلالها، وكذا سبل دعم لبنان الشقيق في أزمته الحالية ليتجاوزها ويستأنف ما يضربه من مثلٍ حي للتنوع الثقافي والمذهبي والعرقي في الشرق الأوسط، وكيفية تسوية الأزمة اليمنية المُمتدة، ومساندة السودان الشقيق خلال المرحلة الراهنة.

ومن المهم أن أشير إلى أن عام 2020 شهد تحركات مُكثفة للدولة المصرية مثّلت نقطة تحول فارقة في مسار الأزمة الليبية، وذلك عبر “إعلان القاهرة” الذي فتح الباب لتسويات سياسية حقيقية، وكان بمثابة دعوة صريحة للتمسك بالحل السياسي للأزمة ووقف العمليات والتصعيد العسكري، وهو ما أكد عليه السيد رئيس الجمهورية خلال خطابه في قاعدة “سيدي براني” العسكرية يوم 20 يونيو 2020 الذي تضمن تحديد الخط الأحمر المصري (سرت/الجفرة) داخل ليبيا، الأمر الذي أعقبه قيام مصر بتكثيف الاتصالات والاجتماعات مع كافة الأطراف الإقليمية والدولية المعنية للبناء على المساعي المصرية، وكذلك مع العديد من الأطراف الليبية لحثهم على العودة للمسار التفاوضي من أجل التوصل لتسوية شاملة للأزمة الليبية والتصدي لكافة أشكال التدخلات الخارجية الهدّامة بها.

 وتباشر الوزارة في اتصالاتها اليومية مع الدول المؤثرة على الساحة الليبية التفاوضَ حول تطورات التسوية السياسية الليبية بحيث تعزز من هدفنا الاستراتيجي في بزوغ ليبيا موحدة مستقلة ومستقرة بجوارنا المباشر.

كما تولي مصر اهتماما خاصاً بأمن البحر الأحمر وسبل تعزيز أوجه التعاون بين الدول المشاطئة له، وقد تكللت تلك الجهود المصرية، بالتنسيق مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية، بصياغة الميثاق التأسيسي “لمجلس الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن”، والذي يضم في عضويته ثماني دول، ليمثل الآلية الجامعة لتعزيز التعاون والتنسيق في مختلف المجالات بين الدول المشاطئة وتحجيم التدخلات الأجنبية في شئونه، وقد دخل الميثاق حيز النفاذ في 29 أكتوبر 2020.

السيدات والسادة..

تُعتبر مصر بانتمائها العربي الإفريقي حجر زاوية رئيسيا في العمل الجماعي ضمن الدائرتين العربية والافريقية. وفي هذا السياق، حرصتْ القيادة السياسية المصرية خلال رئاستها قمة الاتحاد الإفريقي لعام 2019، على التصدي للقضايا المحورية في القارة الإفريقية، وفي مقدمتها إقرار السلم والأمن بالقارة، وريادة ملف إعادة الإعمار والتنمية فيما بعد النزاعات، والتوقيع على اتفاقية استضافة مصر لمقر هذا المركز، بالإضافة إلى قرار قمة الاتحاد الأفريقي في فبراير 2019 باستضافة مصر لمقر وكالة الفضاء الأفريقية، فضلاً عن تولي السيد رئيس الجمهورية رئاسة القمة الاستثنائية للاتحاد الأفريقي؛ إيذاناً ببدء المرحلة التنفيذية لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية.

كما دعمت الرئاسة المصرية للاتحاد الإفريقي اتفاق السلام السوداني الموقع في الثالث من أكتوبر ٢٠٢٠ بما يساهم في دعم السودان الشقيق خلال المرحلة الانتقالية التاريخية التي يمر بها، وخاصة فيما يتعلق برفع العُقوبات عنه ومُساندة التعافي الاقتصادي وجهود الإغاثة الإنسانية في السودان الشقيق، حيث احتلت مسألة تعزيز العلاقات الثنائية مع السودان – ولا زالت – أولوية قصوى في هذا الشأن.

وقد سعت مصر طيلة الفترة الماضية إلى تعزيز التواصل مع الشركاء الاستراتيجيين للتنمية من أجل تنفيذ المشروعات التنموية التي تصبو إليها قارتنا الأفريقية، حيث شارك السيد رئيس الجمهورية في قمة مجموعة العشرين باليابان في يونيو 2019، فضلاً عن المشاركة في قمة مجموعة السبع بفرنسا في أغسطس 2019، كما ترأس السيد رئيس الجمهورية قمة مؤتمر طوكيو الدولي لتنمية أفريقيا (التيكاد) مع الجانب الياباني بهدف تنسيق المواقف الأفريقية خلال تلك القمم.

هذا، ولم تكتفِ مصر بالمشاركة في الأطر التنموية الدولية ذات الصلة بالقارة الإفريقية، ولكنها دشنت جهداً مصرياً خالصاً للمساهمة في تنمية القارة، إذ شهدت الفترة الماضية الانطلاقة الأولى لمنتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة في ديسمبر 2019 بمدينة أسوان بمشاركة العديد من رؤساء الدول الإفريقية والشخصيات الدولية المرموقة، ليصبح أول منصة إقليمية وقارية تركز على الصلة الوثيقة بين قضايا السلم والتنمية المستدامة، وقد تم في هذا السياق تكثيف عمل الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية في القارة الأفريقية، حيث نفذت حوالي ثلاثمائة وثمانين دورةً تدريبية بمصر، بمشاركة حوالي ثلاثة عشر ألف متدرب من أربعٍ وأربعين دولة أفريقية.

كما كانت مصر في طليعة الدول التي سعت إلى التخفيف من وطأة وتأثير جائحة كورونا على الدول الأفريقية ومساعدتها في السيطرة على تداعياتها، حيث أعلن السيد رئيس الجمهورية خلال اجتماعات هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي عن تقديم أربعة ملايين دولار للصندوق الأفريقي لمكافحة فيروس كورونا، ومليونيّ دولار للمركز الأفريقي لمكافحة الأمراض والأوبئة، فضلاً عن تقديم مساعدات عينية لأكثر من ثلاثين دولة أفريقية لمواجهة الجائحة.

واتصالاً بكل ما سبق؛ فإن وزارة الخارجية تنتهج نهجاً علمياً مدروساً في إدارة العلاقات المستقبلية مع الدول الإفريقية، حيث ترأس وزارة الخارجية اللجنة الدائمة لمتابعة العلاقات المصرية/ الأفريقية بعضوية مختلف جهات الدولة، والتي اعتمدت تصوراً مُتكاملاً ورؤية مستقبلية للتعاون الاستراتيجي بين مصر وأفريقيا، وهي الاستراتيجية التي تم إعدادها أخذاً في الاعتبار أجندة التنمية الإفريقية 2063، وأجندة مصر للتنمية المستدامة 2030.

 

 

السيد المستشار.. رئيس مجلس النواب

نواب الشعب الموقرين..

حينما أتحدث إليكم عن القارة الأوروبية فإنني أتحدث عن جوارنا الشمالي وشركائنا المتوسطيين.. عن شريك سياسي واقتصادي محوري نعمل على التنسيق والتشاور المستمر معه حول العديد من الملفات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك؛

وعلى ضوء هذا التوجه المصري، عززت مصر طوال السنوات الست الماضية من شراكاتها مع عدد من الأطراف الأوروبية المهمة كالاِتحاد الأوروبي وبنك الاستثمار الأوروبي والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية الذي أصبحت مصر دولة عمليات به، فضلاً عن تعميق علاقات التعاون مع الدول الرئيسية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وكذا الدول غير الأعضاء، بهدف فتح أسواق جديدة للمنتجات المصرية، وجذب مزيد من الاستثمارات الأوروبية للاستفادة من الفرص الواعدة وزيادة تدفق السياحة الوافدة قبل تفشي الجائحة.

وفي هذا الإطار، تتمتع مصر بعلاقات وثيقة ومتميزة مع عدد من الدول الأوروبية الكبرى، وتنعكس تلك العلاقات في حجم وكفاءة التنسيق والتعاون بين مصر وهذه الدول على أعلى المستويات، بما في ذلك على مستوى القيادة السياسية، فضلاً عن الزيارات المتبادلة على جميع المستويات الوزارية والفنية. وقد نجحت مصر في استثمار تلك العلاقات وتوظيفها للمساهمة في تعزيز حركة التبادل التجاري، وتكثيف الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتوطين التكنولوجيا المتقدمة، والمساهمة في شتى مشروعات التنمية التي تعكف الدولة المصرية على تنفيذها في مختلف المناحي سواء على صعيد النهضة العمرانية الكبرى التي تشهدها مصر، أو لتوفير شبكة من الطرق ذات كفاءة وفاعلية في الربط بين مختلف أنحاء الجمهورية، أو التزود بوسائل النقل المتقدمة لتيسير التنقل من وإلى العاصمة الإدارية الجديدة أو لزيادة إنتاج الطاقة الكهربائية، والتعاون في مجال البحث والتنقيب عن النفط والغاز إلى غير ذلك مما تقتضيه الجهود التنموية الشاملة التي يجري تنفيذها على أرض مصر.

الأعضاء الموقرون..

لقد أولت مصر اهتماماً بالغاً خلال السنوات الماضية بتعزيز التعاون مع الدول الصديقة في منطقة شرق المتوسط، وفي هذا الصدد فقد تم تدشين آلية التعاون الثلاثي بين مصر وقبرص واليونان، لتعزيز التعاون بين الدول الثلاث في مختلف المجالات الفنية والسياسية والعسكرية. كما شهدت الفترة الماضية تدشين منتدى غاز شرق المتوسط، والتوقيع على ميثاقه في سبتمبر 2020، بما يسهم في جعل مصر مركزاً لتداول الطاقة بما لديها من إمكانيات تؤهلها للاضطلاع بهذا الدور الهام. هذا بالإضافة إلى إبرام اتفاق تعيين المنطقة الاقتصادية الخالصة مع اليونان في أغسطس عام 2020 بما يسمح لمصر بالمزيد من استثمار ثرواتها الطبيعية لما فيه خير ورفاهية الشعب المصري العظيم. كما نستمر في جهودنا لمواجهة الممارسات الهدامة التي تستهدف الإضرار بالمصالح المصرية من خلال التنسيق والتشاور مع الدول الصديقة.

ولا يفوتني أن أدلل على الثقل الكبير الذي تحظى به مصر لدى الجانب الأوروبي، بالدور الذي اضطلعت به في الأزمة الأخيرة الخاصة بالرسوم المسيئة، حيث كان السيد رئيس الجمهورية أول من حرص القادة الأوروبيون على التواصل معه للعمل على تجاوز هذه الأزمة من خلال تحقيق التوازن بين مكافحة الإرهاب والتطرف، وبين عدم المساس بالرموز الدينية تحت دعاوى حرية التعبير.

السيدات والسادة الأعضاء

تحتل الدائرة الآسيوية اهتماماً لدى الخارجية المصرية، فقد شهدت الأعوام الخمسة الماضية نشاطاً مكثفاً على صعيد العلاقات المصرية الآسيوية، فعلى الساحة السياسية، تم تبادل العديد من الزيارات الرئاسية والوزارية المهمة مع معظم دول القارة الآسيوية، وفي مقدمتها الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية وفيتنام وأوزبكستان. كما تم عقد عدد من اجتماعات اللجان الوزارية المشتركة وجولات المشاورات السياسية، بالإضافة إلى توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين مصر والدول الآسيوية، أبرزها اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع الصين، وما زال العمل جارياً لتوقيع المزيد من الاتفاقيات، وأبرزها وثيقة التعاون بين مصر والصين في إطار مبادرة الحزام والطريق.

هذا، وتلعب القوة الناعمة لمصر وأزهرها الشريف دوراً رائداً في علاقاتنا بالدول الآسيوية، سواء من خلال استقباله للطلاب الآسيويين الراغبين في تعلم صحيح الإسلام برسالته الوسطية السمحة، أو من خلال مبعوثي الأزهر إلى تلك الدول، والذين ينشرون المبادئ السامية للإسلام في المحبة والعيش المشترك وقبول الآخر.

السيدات والسادة نواب الشعب

تحتل علاقات مصر مع القوى الدولية الكبرى أهمية خاصة على أجندة السياسة الخارجية المصرية؛ لاسيما مع توجيهات القيادة السياسية المصرية بدعم وتعزيز علاقات مصر مع القوى الكبرى دون أن تكون العلاقات مع أيٍ منها موجهة ضد أخرى. وفي هذا السياق، سوف أستعرضُ لمحاتٍ من علاقات مصر مع تلك القوى الدولية الكبرى، وذلك على النحو التالي:

وفيما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية.. أود التأكيد على ثبات العلاقات الاستراتيجية مع الشريك الأمريكي، واستنادها على أساس صلب قائم على المصالح والأهداف المشتركة التي تجمعهما، وذلك على الرغم من التغيرات التي شهدتها المنطقة على مدار العقود الماضية، وتعاقب الإدارات الأمريكية الجمهورية والديمقراطية على حد السواء، فالمصالح المشتركة المرتبطة بهذه العلاقات الاستراتيجية تُعد عابرة للأحزاب بحكم طبيعتها وأهميتها.

واتصالاً بما تقدم، تعمل وزارة الخارجية بشكل متواصل على تعزيز العلاقات بين مصر والولايات المتحدة وتنويع مختلف مجالات التعاون معها على كافة الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية والاستثمارية والثقافية، وكذلك المصالح الاستراتيجية المشتركة بينهما فيما يتعلق بتحقيق الأمن والسلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وتحقيق النصر في الحرب الشاملة على الإرهاب والفكر المتطرف بكافة صوره وأشكاله.

كما أود في هذا السياق أيضاً، التأكيد على الأهمية التي توليها الخارجية المصرية للموضوعات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية كمكون أساسي في تعزيز الشراكة الاقتصادية بين مصر والولايات المتحدة، وهو الأمر الذي انعكس في زيادة حجم التجارة بين البلدين بنسبة 76% خلال الفترة ما بين عاميّ 2016 و2019، كما ارتفعت الاستثمارات الأمريكية في مصر إلى نحو 22 مليار دولار لتحتل المرتبة الثالثة في قائمة الدول الأجنبية المستثمرة في مصر، ولتحتل مصر رأس قائمة الدول الأفريقية المستقبلة للاستثمارات الأمريكية المباشرة.

أما روسيا، فقد صدَّق البرلمان الموقر في دور انعقاده الأخير على اتفاق التعاون الشامل والشراكة الاستراتيجية في الخامس عشر من ديسمبر عام 2020 ليضفي مزيدا من التعميق على العلاقات المصرية الروسية.. مع شريك قوي وصديق تاريخي.. تهتم مصر بتعزيز علاقاتها معه في مختلف المجالات الثنائية والمحافل الدولية.. وغنيٌ عن البيان أن علاقات مصر مع روسيا كانت وما زالت مثمرة.. فمختلف جوانب العلاقات الثنائية مع الصديق الروسي تشهد تقدماً ملحوظاً.. وفي هذا الإطار تستمر مصر في تعزيز علاقاتها مع روسيا وتتوالى زيارات القمة بين البلدين، فضلاً عن الزيارات على المستوى الوزاري، والتي كانت آخرها الزيارة التي قمتُ بها إلى موسكو في أكتوبر 2020، لمتابعة آفاق التعاون الثنائي؛ إذ تمضي قدماً مفاوضات إنشاء المنطقة الصناعية الروسية في المنطقة الاقتصادية الخاصة لقناة السويس.. وكذا مشروع محطة الضبعة للطاقة النووية السلمية.

ولا تقتصر العلاقات المصرية مع روسيا على الجوانب السياسية والاقتصادية فقط، ولكنها تمتد لتشمل أيضاً البُعد الثقافي حيث تم إعلان عام 2021 عاماً للتبادل الإنساني بين مصر وروسيا ليشهد العديد من الفعاليات الثقافية والفنية والرياضية بين البلدين إثراءً للعلاقات الثقافية والبُعد الإنساني في العلاقات الثنائية، ودعماً للتواصل الشعبي.

الصين، ذلك العملاق الآسيوي.. التي تمثل العلاقات الاستراتيجية معه محوراً مهماً للعلاقات المصرية/ الآسيوية بوجه عام، فضلاً عما يمثله البعد الحضاري للبلدين من عامل توافق إضافي بينهما. وفي هذا الإطار، تم تبادل عدد من الزيارات الرئاسية والوزارية المهمة، فتم توقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع الصين، وأعلنت مصر عن موافقتها على الانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق، التي تهدف إلى تطوير البنية التحتية وتشجيع التجارة والاستثمار وربط المناطق الصناعية بأسواق التصدير، إضافةً إلى ما تمثله الاستثمارات الصينية بالمنطقة الاقتصادية لشمال غرب خليج السويس من نقطة التقاء بين استراتيجية التنمية لمحور قناة السويس ومبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين.

السيدات والسادة أعضاء المجلس الموقر

لا يمكنني أن أتحدث إليكم اليوم عن دور وزارة الخارجية في تنفيذ برنامج الحكومة المصرية “مصر تنطلق” دون أن أُخصص نصيباً موفوراً لدور الدبلوماسية في تحقيق الأهداف الاقتصادية التي حددتها الحكومة المصرية، لا سيما مع ما شهده عام 2020 من تحديات غير مسبوقة جراء تفشي فيروس كورونا. وفي هذا الصدد، قامت الدولة المصرية، وفي مقدمتها القيادة السياسية بدور كبير لتعزيز التواجد المصري لمتابعة المجريات الدولية ذات الصلة، وهو الأمر الذي تجلى واضحا من خلال مشاركة القيادة السياسية المصرية في القمم العالمية والإقليمية الافتراضية التي اهتمت بسبل مواجهة فيروس كورونا وتوفير اللقاحات للدول النامية. وقد لعبت وزارة الخارجية دورا نشطا في هذا الصدد ابتداء من متابعة التطورات على الساحة الدولية، وكذا لإبراز الإسهامات المصرية ونقل التجارب الدولية وتعزيز التعاون الدولي، بالإضافة إلى الترويج للتجربة المصرية الرائدة في تعاملها مع الموجة الأولى لفيروس كورونا، والذي أدى إلى أن تصبح مصر واحدة من الدول القليلة على مستوى العالم التي تحقق نمواً إيجابياً خلال عام 2020.

وتهتم الخارجية المصرية بتعزيز دور الدبلوماسية الاقتصادية من خلال دعم وزارة الخارجية لجهود البعثات المصرية في الخارج اتصالًا بتعزيز الترويج للاقتصاد المصري في مختلف المحافل الاقتصادية والاستثمارية لدى دولة الاعتماد، والعمل على جذب الاستثمارات المصرية بالخارج، وذلك بالتنسيق مع الجهات الوطنية المعنية.

السيدات والسادة النواب

يمثل العمل متعدد الأطراف شقاً مهماً من العمل الدبلوماسي تحكمه آليات خاصة تختلف عن تلك الحاكمة لإدارة العلاقات الثنائية، ولقد عملت وزارة الخارجية خلال السنوات الماضية على تمثيل مصر والدفاع عن مصالحها في المحافل الدولية مُتعددة الأطراف في شتي الموضوعات والقضايا الدولية البازغة التي باتت تُشكل أولوية على الأجندة الدولية.

وقد شهدت السنوات الماضية، وفي إطار الدبلوماسية المصرية النشطة على صعيد العمل الدولى متعدد الأطراف عدة إنجازات هامة ومحورية، من أبرزها عضوية مصر بمجلس الأمن عامي 2016-2017، ورئاستنا لمجموعة الـ 77 والصين فى عام 2018، ثم رئاسة الاتحاد الأفريقي فى عام 2019. 

وفي إطار عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام، نجحت مصر في تحقيق تطور ملحوظ في حجم وطبيعة مساهماتها من قوات الجيش والشرطة في تلك العمليات، مما سمح لنا بشغل وضعية متقدمة بين كبريات الدول المساهمة بقوات عسكرية وشرطية، حيث تشغل مصر حالياً المرتبة السابعة على مستوى العالم بين الدول المشاركة في تلك العمليات الأممية بإجمالي 3150 فرداً، وذلك بالتعاون مع وزارتيّ الدفاع والداخلية، في إطار آلية التنسيق الوطنية المعنية بعمليات حفظ السلام.

وأود في هذا السياق أن أشيد بالتضحيات التي يقدمها رجال القوات المسلحة والشرطة المشاركون في عمليات حفظ السلام دفاعاً عن السلم والأمن الدوليين في مختلف أرجاء العالم، كما أتقدم إلى عائلات الشهداء منهم بخالص التعازي والمواساة.

ويُمثل تدشين واستضافة مصر لمركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية فيما بعد النزاعات ووجود مقره بالقاهرة فُرصة هامة ومنصة محورية لتعزيز دورنا النشط في مجال بناء واستدامة السلام في إفريقيا، ولترجمة المُبادرات المصرية وريادة السيد رئيس الجمهورية لملف إعادة الإعمار من خلال تحرُكات وخطوات عملية ملموسة على الأرض تخدم هدف استمرار التواجُد المصري المؤثر في أفريقيا، وتحديداً بالمناطق ذات الأولوية بالنسبة لنا.    

 السادة أعضاء مجلس النواب

إن العمل متعدد الأطراف يضم ملفات حيوية ذات تأثير مباشر على حياة الإنسان وبيئة العمل، وفي مقدمتها تغير المناخ حيث ساهمت الوزارة بشكل كبير في إنجاح مؤتمر أطراف تغير المناخ في ديسمبر 2018 في بولندا الذي شهد تبني برنامج عمل تنفيذ اتفاق باريس، كما تم اختيار مصر لاستضافة الدورة الـسابعة والعشرين لاتفاقية الأمم المُتحدة لتغير المناخ نهاية العام 2022.

أما على صعيد جهود الدولة في مكافحة الإرهاب والفكر المُتطرف، تلعب وزارة الخارجية دوراً هاماً من خلال العمل مع الشركاء الدوليين لتنسيق وتفعيل العمل الدولي ضد الإرهاب في الأُطر الدولية مُتعددة الأطراف في الجمعية العامة ومجلس الأمن بالأمم المُتحدة وغيرها من المحافل التي تتمتع مصر بعضويتها. وفي هذا الصدد، فقد قامت مصر بدور محوريّ خلال عضويتها بمجلس الأمن (2016-2017) حظي بتقدير المجتمع الدولي، بما في ذلك تقديم وتبني عدد من القرارات الهامة ذات الصلة بمكافحة الإرهاب وتجفيف منابع تمويله، ومواجهة الفكر المُتطرف، والتعامل مع ظاهرة المُقاتلين الإرهابيين الأجانب وغيرها، وهي القرارات التي تعمل وزارة الخارجية على تعزيزها وتطويرها ومتابعة تنفيذها بشكل دوري.

وعلى المستوي الثنائي، تعمل وزارة الخارجية بالتنسيق مع الجهات الوطنية المعنية، على مُوافاة شركائنا من الدول الأوروبية والولايات المتحدة بأحدث المعلومات والبيانات المُتوافرة حول حركة التنظيمات الإرهابية وما ترتكبه جماعة الإخوان الإرهابية وغيرها من الجماعات والتنظيمات الإرهابية التابعة لها، بهدف إدراج تلك المنظمات والجماعات الإرهابية على قوائم الإرهاب في مختلف دول العالم.

 إضافةً إلى ذلك، أصدرت وزارة الخارجية في يوليو 2020 التقرير الوطني الأول حول جهود الدولة المصرية لمكافحة الإرهاب، وهو التقرير الذي قامت بتعميمه على كافة دول العالم من خلال سفاراتها بالخارج، الأمر الذي كان محل تقدير من كافة الدول، وتعمل الوزارة في الوقت الراهن على تحديث التقرير وإطلاق نسخته الثانية خلال العام الجاري وفقاً لتوجيهات السيد رئيس الجمهورية في هذا الصدد.

من ناحية أخرى، تواصل وزارة الخارجية، من خلال المحافل الدولية ذات الصلة وعلى رأسها مؤتمر مراجعة معاهدة عدم الانتشار النووي المقرر عقدُه في أغسطس 2021 في نيويورك، التعبير عن سياسات مصر في مجالات نزع السلاح وعدم الانتشار والاستخدامات السلمية للطاقة الذرية.

السيدات والسادة..

أما بالنسبة للترشيحات الخاصة بالحصول على المناصب الدولية، فقد نجحت وزارة الخارجية في تأمين فوز السيدة الدكتورة غادة والي بمنصب وكيل السكرتير العام للأمم المتحدة والمدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، كما نجحت في تأمين عضوية مصر وعضوية مرشحيها في عدد من المنظمات والهيئات الدولية التابعة للأمم المتحدة ومختلف منظماتها ولجانها، وكذا بكل من الاتحاد الافريقي ومنظمة التعاون الإسلامي والوكالة الدولة للطاقة الذرية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وهو ما يعكس حجم تقدير المجتمع الدولي لمصر والقدرات والكفاءات المصرية في مختلف المجالات.

السيد المستشار رئيس المجلس

السيدات والسادة النواب

 أما ملف حقوق الإنسان الذي يحتل أهمية خاصة في ساحة المنظمات الدولية ذات الصلة، فتحرص وزارة الخارجية على إبراز الجهود الوطنية لتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية وضمان تمتع كافة المواطنين بهذه الحقوق والحريات دون تمييز، كما تحرص أيضاً على تصحيح أي معلومات مغلوطة عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر وتوضيح حقائق الأمور سواء من خلال الاتصالات مع السفارات الأجنبية وممثلي المنظمات الدولية في القاهرة، أو من خلال الاتصالات التي تجريها بعثاتنا في الخارج مع المسئولين في دول الاعتماد، كما تتصدى وزارة الخارجية لأية محاولات لاستغلال أي قضايا لتشويه سمعة مصر في مجال حقوق الإنسان واستغلالها في تحقيق أهداف ومصالح سياسية.

وقد تكللت هذه الجهود بالمشاركة المصرية الناجحة في عملية المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، حيث أشاد العديد من وفود دول العالم في جلسة المراجعة المصرية بالجهود الوطنية لتعزيز أوضاع حقوق الإنسان.

وقد قادت وزارة الخارجية الجهود الوطنية لإنشاء اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، وهي اللجنة التي تهدف إلى تنسيق الجهود الحكومية ذات الصلة بتعزيز حقوق الإنسان في مصر، ومتابعة تنفيذ مصر لالتزاماتها الدولية، وإعداد الردود على أي شكاوى أو مراسلات تتلقاها الحكومة المصرية بخصوص أوضاع حقوق الإنسان في مصر، وإعداد تقارير رصد حول ما يتم تداوله على الساحة الدولية فيما يتعلق بتطورات أوضاع حقوق الإنسان في مصر. كما تعكف اللجنة على إعداد الاستراتيجية الوطنية الأولى لمصر في مجال حقوق الإنسان ترصد التحديات ذات الصلة وتحدد عدداً من النتائج المستهدفة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في مصر.

السيد المستشار رئيس مجلس النواب

السيدات والسادة نواب الشعب المصري

ختامًا، فإنه غنيٌ عن البيان أن الدبلوماسية المصرية سوف تستمر في تحركها الدؤوب ومساعيها النشطة خلال عام 2021 انطلاقاً من ثوابت العمل الوطني واتساقًا مع مصالح الدولة المصرية وأهدافها العليا، وسعيًا نحو تحقيق مزيد من المكتسبات ومواصلة نقل حقيقة ما يتم تنفيذه على الأرض في مصر من إنجازات ضخمة غير مسبوقة، مع الالتزام بثوابت السياسة الخارجية المصرية والعمل على إيجاد حلول سلمية للنزاعات التي تشهدها المنطقة، بما في ذلك دعم جهود تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة بوصفها شرطاً ضرورياً للقضاء على جذور ومسببات الأزمات ومصادر تهديد الاستقرار الإقليمي والدولي، وذلك جنباً إلى جنب مع توجيه البعثات المصرية للاستمرار في تقديم مختلف سُبل الرعاية القنصلية للمواطنين المصريين المقيمين في الخارج، وخاصة في مثل هذه الظروف الاستثنائية.

إن ما تضطلع به وزارة الخارجية من مسئوليات إنما هو نتاج جهد تنفذه مجموعة منتقاة من أبناء مصر الأوفياء، رجالاً ونساء، يجتهدون ونصب أعينهم شرف تمثيل مصر في الخارج.. أمناء على مهمة نبيلة في خدمة وطن عزيز وشعب عظيم يرسم بأحرف من نور من خلال العمل والتضحية مستقبلا مليئا بالتقدم والازدهار.