فن

الفنان البحريني أحمد الجميري : أغنية “شويخ من أرض مكناس” سبب شهرتى في شتى أرجاء الوطن العربي

كتبت وغنيت " فلسطين نادت فلبوا الندا، وهبّوا جميعا لصد العدا، لأطفال غزة كونوا صدى " وأهديتها لأهالينا في فلسطين الحبيبة

لا زلت أشارك في حفلات دار الأوبرا، كما شاركت في حفلات عديدة في كل دول الخليج والعراق والأردن ولبنان

احافظ على أسلوبي في الغناء خارج إطار التطوير التجاري في الموسيقى وخارج إطار الفيديو كليبات.

الفنان أحمد الجميري، مطرب بحريني ذو مسيرة طويلة في الغناء , له محطات شكلت الذاكرة الموسيقية البحرينية .. بدأ الغناء في الستينيات حينما كان طفلاً. عرفه العالم العربي حتى أقاصيه بأغنية “شويخ من أرض مكناس”، وهي قصيدة في الزجل الأندلسي عمرها أكثر من 700 عام، ألفها آنذاك الشاعر أبو الحسن الششتري، ولحنها الفنان البحريني المعروف خالد الشيخ، بينما يرتبط دفء صوته بالنسبة للبحرينيين بذكريات الطفولة والأغاني التي تتغنى بالبحرين وأصبحت جزءا لا يتجزأ من الهوية البحرينية، مثل أغنية “يالزينة ذكريني”، “هلا باللي لفاني”، “نصايف الليل”، وغيرها..

 

الفنان للجميري له ارتباط حميمي بمصر حيث درس فيها، وتزوج منها، وسجل فيها أغنية أول عيد وطني في عام 1971.وكان له حفل في القاهرة في أبريل الماضي، حيث أحيى حفلا موسيقياً في دار الأوبرا، مع فرقة البحرين للموسيقى بقيادة المايسترو البحريني زياد زيمان، إلى جانب عدد من الفنانين البحرينيين، وذلك احتفالاً بمرور 50 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والبحرين ومايجمع الدولتين الشقيقتين من إرث تاريخي وثقافي وحضاري عريق، وعلاقات وثيقة يُحتذى بها في التعاون والتلاحم.

 

كرمت  وزيرة الثقافة المصرية  الدكتورة نيفين الكيلاني والدكتور مجدي صابر رئيس دار الأوبرا المصرية ورئيس مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية، في أكتوبر 2022، الفنان البحريني المتميز أحمد الجميري، وذلك لما قدمه من إسهامات في الحفاظ على أسلوب الموسيقى العربية الكلاسيكية المتميزة في أغانيه التي ارتقت بالتلاقح الفني المميز بين الفن البحريني الأصيل وما وصل إليه الفن الغنائي العربي من رقي وتميز في الإحساس والتعبير، وذلك خلال النسخة 31 من مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية في دار الأوبرا المصرية.

 

التقت “جريدة اخبار الوطن” الفنان الجميري فى حوار فنى مميز عرجنا فيه على نظرته حول تطور الموسيقى البحرينية، وأهم محطات حياته.. وسألناه :

الى اي مدرسة فنية ينتمي أحمد الجميري؟

قال :  أنتمي إلى المدرسة الشرقية الأزهرية، وهي التي تغني منها أم كلثوم وعبد الوهاب والسنباطي. وذلك لكون الأزهر حافظ على المقامات العربية الأصيلة.

أين الفن البحريني في الساحة العربية؟

الفن البحرين يعتبر جزء من منظومة الموسيقى العربية، وكل بلد ومنطقة له لون معين، والبحرين عنصر من عناصر التلون الموسيقي العربي الثري والمتنوع.

ما هو أبرز ما يميز الطرب البحريني، وكيف تطور في العقود الأخيرة .. وكيف كانت العلاقة بين الأجيال الجديدة والأجيال القديمة في الموسيقى البحرينية .. وكيف أثرت على تطورها؟

اللون الغنائي البحريني تفرع من فن الصوت وموسيقى الفجري بشكل أساسي، وهو ما يميز ألحانه، وتفرعت من هذه الفنون مدارس غنائية متعددة تشكلت على مدى السنين إلى اللحن البحريني الحالي.

كما يتميز الطرب البحريني بالكلمة واللحن الممتدين من التراث، ولذلك أحرص دوماً في علاقاتي مع الفنانين الشباب، خاصة مع وصولي إلى اللون الذي يميزني، وأصبحت أعرف به في المنطقة، على أن أذكر بضرورة الارتباط بالهوية البحرينية، لأنه لن يكون للفنان حضور مميز يعرف به بين الجماهير من غير الهوية البحرينية.

 

ومن هذا المنطلق أيضاً حرصت في الحفلة الأخيرة التي قدمتها مع عدد من الفنانين الشباب في البحرين، حفلة الفن البحريني التي كانت أول حفل بحريني خالص على مسرح الدانة الأكبر في البلد والحديث عمراً، على أن يغني الفنانين الشباب الذين رافقوني، اغنية من التراث، والتي أعدنا تشكيلها وقمنا بتحديثها لتصبح أقرب للجمهور في وقتنا الحاضر، بإدخال الفن الأدائي والتعبيري وإيقاعات من موسيقى السالسا والسامبا.

 

من المهم جداً في وقتنا وزماننا الحالي، بتطور تعاطي الفن وانتشاره، ألا نقوم بتقديم التراث بصورته القديمة البسيطة، ونضيف عليها مكونات العصر ونرسمها بصورة فنية متكاملة تعطيه انطباعاً متميزاً يثبت في أذهان الجمهور.

كما أنني وأثناء تحضيري لحفلة الفن البحريني، كنت ابحث عن فرقة تؤدي الفن التعبيري، وكنت قد شاهدت على التلفاز منذ فترة فرقة لطالبات من الإسكندرية أبهرتني بأدائها المتقن، اسمها فرقة شباب سموحة، وعكفت منذ ذلك الوقت على التواصل مع المعنيين للوصول إلى الفرقة، واللقاء بهم والعمل معهم للمشاركة في حفلة الفن البحريني.

 

“وقد قامت مؤخراً مملكة البحرين بتخصيص أهم وأكبر حفلات أعياد الوطن على مسرح الدانة، وهو موسم احتفالات مملكة البحرين بالأعياد الوطنية الممتد طيلة شهر ديسمبر، للفنان أحمد الجميري وذلك للاحتفاء بالفن البحريني الأصيل، حيث دمج الحفل بين الأغاني البحرينية المعاصرة وتلك التراثية. رافقه على المسرح عدد من الفنانين الشباب الصاعدين، وهم محمد التميمي، حسين أسيري، وهند ديتو، إلى جانب فرقة البحرين للموسيقى بقيادة المايسترو خليفة زيمان ولوحات من الفن التعبيري.”

 

 ما هي أهم محطات الفنان أحمد الجميري في مصر؟ الدراسة، والتعاونات الفنية ؟

تشكل جمهورية مصر الشقيقة جانباً مهماً من حياتي، فعدا أنني قمت بدراسة الموسيقى فيها وتزوجت بمصرية، إلا أن مصر شكلتني ثقافياً وفنياً منذ الصغر، حيث كانت أول أغنية أغنيها في مسيرتي الفنية، في بداية الستينات عندما كنت في عمر الـ13 عاماً، في برنامج كان يبث على إذاعة البحرين، برنامج ركن الاشبال وهو برنامج يعرض مواهب الاطفال، أغنية “مغرور” لعبد الحليم حافظ.

بعدها كانت هناك زيارة للفنان المصري الكبير محرم فؤاد إلى مملكة البحرين، وأنا من أكبر محبي هذا الفنان القدير، فشاءت الأقدار أن ألتقي به في إذاعة البحرين وغنيت أمامه أغنيته “يا نسمة الخليج”، وأثنى جداً على موهبتي، وشدد على أن أكمل دراستي في الموسيقى بعد المدرسة، مما أعطاني دفعة قوية للاستمرار في هذا المجال.

 

أما اثناء دراستي في مصر فقد تعرفت على أهم الشخصيات الفنية التي كنت أكن لها تقديراً منذ بداية مسيرتي في البحرين، حيث التقيت مع محرم فؤاد وفريد الأطرش وأم كلثوم وعبد الوهاب، وحتى رياض السنباطي الملحن العظيم الذي أنتمي لمدرسته الفنية، بالرغم أنني التقيته من بعيد..

ولازالت تربطني علاقات بالفنانين والموسيقيين في مصر، أعتبرها شبه عائلية، وأنتمي لرابطة محبي الطرب الأصيل التي أسسها أمين صادق، حيث كان صادق من أحد محبي فني. كما أنه يحرص على استضافتي كل عام ضمن زيارتي لحضور مهرجان الموسيقى العربية، وكنت التقي عنده بكبار الفنانين منهم صباح فخري، نصير شمة، الدكتورة مغنية السوبرانو رتيبة الحفني، بالإضافة إلى فؤاد زبادي، توحيد أحمد رامي، والذي كان يلحن أغاني أم كلثوم، إلى جانب عبد الرحمن الأبنودي.

ولن أنسى علاقتي مع بليغ حمدي، التي بدأت عندما سمع موال غنيته بلون بحريني ممزوج مع الفن المصري الأزهري، وهو لشاعر قطري بحريني اسمه محمد بن عبد الوهاب الفيحاني، تبدأ كلماته “قصت حبالك من عقب وصلها مي..” وذلك فى حفل أضواء المدينة في التسعينات، مما دعى حمدي إلى التواصل معي ليبدي إعجابه الكبير بالمزج الذي قدمته في هذا الموال، واستمرت علاقتنا حتى توفاه الله بعدها بسنتين تقريباً.

 

تميزت حول العالم العربي بأغنية شويخ من أرض مكناس، فما كان تأثير انتشارها على تسليط الضوء على الموسيقى البحرينية وعلى كل من أحمد الجميري وخالد الشيخ؟

بالفعل، فبعد أن عرفت كصوت للون البحريني واشتهرت في المنطقة بعد النجاح الباهر لأغنية “يا الزينة ذكريني”، وبعدها اغنية “هلا باللي لفاني”، كانت أغنية “شويخ من أرض مكناس” هي الأغنية التي حصدت أوسع انتشار وبفضلها أصبحت معروفاً بشكل أكبر في شتى أرجاء الوطن العربي، وكان سبب نجاحها هو اللحن والايقاع، حيث خرج الملحن والفنان البحريني خالد الشيخ بأسلوب لحني مختلف لم يكن سائد آنذاك، حتى أن لكلمات القصيدة دور حيث أصبح الناس يقتبسون “شعلي انا من الناس، وشعلى الناس مني؟” كمثل دارج. وكانت كلمات هذه القصيدة مميزة حيث اختلفت عن الكلمات الدارجة للأغاني وقتها، والتي كان أغلبها عن الحب والغزل، بل ارتبط بها الناس لأنها تتناول أطباع المجتمع وتروي ما بداخل الانسان وتذكّر بالمبادئ والقيم الدينية.

 

لم تكن هذه الأغنية الوحيدة التي وثقت ارتباطي الفني بالوطن العربي ككل، حيث أنني شاركت أيضاً في أوبريت “الحلم العربي” 1998، وهي من تلحين الملحن المصرى حلمى بكر و تأليف الشاعر المصرى مدحت العدل و توزيع الموسيقار الليبي حميد الشاعري، حيث صادف وجودي في مصر وقت تطوير الفكرة ودعيت فوراً للمشاركة فيها لتمثيل البحرين، ونجح الأوبريت ولله الحمد.

 

واستمريت بعدها أيضاً في تمثيل البحرين ودعم القضايا الإنسانية بمشاركاتي الفنية حيث شاركت بأوبريت “بكرا” في 2011، والتي كانت قد أنتجت بالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، وخصص ريعها لتقديم منح دراسية للأطفال العرب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في مجالات الفنون والثقافة وتمويل برامج تعليمية موجهة للأطفال في الموسيقى والفنون والدراسات الإنسانية، إضافة إلى دعم المرافق التعليمية القائمة في 7 بلدان عربية.

 

أما مؤخراً، فقد دفعتني همجية ووحشية ما يحصل في غزة إلى ضرورة الخروج بعمل فني، فاستوحيت من أغنية محمد عبد الوهاب التي تقول: أخي جاوز الظالمون المدى، فكتبت: فلسطين نادت فلبوا الندا، وهبّوا جميعا لصد العدا، لأطفال غزة كونوا صدى.. وأكملت الأغنية بأبيات عبد الوهاب السابقة، وسجلتها في أغنية أهديتها لأهالينا في فلسطين الحبيبة. ولله الحمد نالت الأغنية بعض من الانتشار حيث وصلني شكر من السفير الفلسطيني في البحرين الذي قال أنه سمع عنها من معارفه في فلسطين والمغرب.

 

أما بالنسبة لمصر الحبيبة فقد غنيت لها أغنية رائعة في دار الأوبرا في أبريل الماضي، كنت انتظرت 4 سنوات لأجد المناسبة التي تليق بها، وهي أغنية النيل للشاعر عبد الستار سليم: النيل مسافر من زمان.. زي زمان.. بين الجنادل تجرحه.. لكنه عارف مطرحه.. وتسيل دموعه عالغيطان.. ويلفها ساعة الحصاد حزمة عيدان. النيل ده عمر.. ممكن يطول بيه السفر.. ممكن يعوق سكته مليون حجر.. ممكن يتوه، ممكن يلف، ومستحيل أنه يجف.

 

 من هم الفنانين الذين أثروا في أحمد الجميري، ويستلهم منهم؟

أكن تقديراً خاصاً لعبد الحليم حافظ لصدق أحاسيسه عند الغناء، وقوة الإحساس الذي يجسد الكلمات التي يغنيها، وأيضا رياض السنباطي بحرفنة تلحين الكلمة، وخاصة في إبداعه في تلحين أغنية “سلوا قلبي” لأم كلثوم، وبشكل خاص تلوينه في تلحين كلمة “جمال”، حيث أعطى هذه الكلمة قيمة أكبر من حروفها وذلك لأهمية الجمال ضمن هذه القصيدة، ومحوريتها بالنسبة للحالة التي تصفها القصيدة.

 

 ما مدى انتشار مشاركات الجميري، سواء الآن أو حتى في السابق، في ساحة الغناء العربي والخليجي؟

كان لي حفلات كثيرة في دار الأوبرا المصرية، حيث غنيت على مدى السنوات لأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، إلى جانب أغانيي الخاصة، لا سيما في السنوات 2002-2003. ولا زلت أشارك في حفلات دار أوبرا، كما شاركت في حفلات عديدة في كل دول الخليج والعراق والأردن ولبنان، وظهرت على مختلف القنوات العربية، كما أن انتشاري وصل لأمريكا وفرنسا وسويسرا.

إلا أن نمط انتشار الأغاني تغير في وقتنا الآن خاصة مع ظهور القنوات الفضائية المتخصصة في الأغاني، وتغيرت قيمة الأغاني، ولا زلت أنا محافظ على أسلوبي في الغناء خارج إطار التطوير التجاري في الموسيقى وخارج إطار الفيديو كليبات.

 

متي يصل الفن البحريني للعالمية؟

للوصول للعالمية يجب تقديم شي مختلف وذو قيمة، فهناك تجربة مهمة وناجحة جداً للفنان والمايسترو البحريني مبارك نجم في معالجة بعض الأغاني البحرينية التي لها بعض الجماليات المعينة، وأخذ جمل موسيقية منها وإعادة توزيعها أوركسترالياً، وهو يقدم على مسارح البحرين مع فرقة الفيلهارموني بشكل شهري، إلى جانب تعاونه المستمر مع فرق الأوركسترا من حول العالم لإنتاج أعمال مشتركة تحمل الأغنية الشعبية البحرينية إلى آفاق عالمية أوسع.

وكذلك نذكر أيضاً الموسيقار والمؤلف وحيد الخان، الذي أنتج مقطوعات أوركسترالية من تأليفه مزج فيها الأنغام العربية وخاصة تلك المستوحاة من التراث البحريني، أصبح يؤديها حول العالم برفقة فرق أوركسترا دولية.

 

البحرين ثرية بعناصر فنية وموسيقية أصبحت مادة للدراسة والإعجاب، ففي الثمانينات من القرن الماضي على سبيل المثال، قدم مجموعة من فناني الفجري هذا الفن البحري العريق أمام اليونيسكو في باريس، ورأوا في هذه الهارموني البدائية شيء خيالي، وأصبح موضع للدراسات والبحوث، حتى أدرج منذ عامين على قائمة التراث العالمي غير المادي لمنظمة اليونيسكو بجهود جميلة من هيئة البحرين للثقافة والآثار التي لم تألوا جهداً في توثيق ثقافتنا وتراثنا المادي وغير المادي.

 

 ما هو أول مكان يحرص على زيارته في مصر؟

دار الأوبرا، للاطلاع على برامجه وحفلاته، وتقوية الروابط مع المسؤولين والقائمين عليه، حيث أنه يعتبر أهم ملتقى للفن العربي المميز.. وقريبا إن شاء الله،  في مهرجان الموسيقى العربية القادم بالاوبرا